مدير الاستخبارات الامريكية السابق: اخطأنا في الإطاحة بصدام والقذافي.. استراتيجيتنا ساهمت في نشأت داعش
مدير الاستخبارات الامريكية السابق: اخطأنا في الإطاحة بصدام والقذافي.. استراتيجيتنا ساهمت في نشأت داعش
مايكل فلين |
كتب ـ علاء المطيري:
قال الفريق مايكل فلين، قائد القوات الخاصة الأمريكية ومدير استخبارات الدفاع السابق، أنه لو لم يتم غزو العراق لما ظهرت داعش التي أصبحت تمتلك قوة عسكرية محترفة، مشيرا إلى أن أمريكا ساهمت في تأسيس داعش عام 2004 وأنها ستشارك روسيا في تقسيم المنطقة إلى 3 قطاعات بعد تدمير داعش.
وفي حواره مع مجلة "دير شبيجل" الألمانية اليوم، الأحد، أكد فلين، أن العاطفة العمياء قادت الولايات المتحدة بعد هجمات 11 سبتمبر إلى اتجاه خاطئ من الناحية الاستراتيجية كانت نتيجته حرب العراق وأفغانستان، وأن اسقاط صدام حسين ومعمر القذافي خطأ هائل لن يتسامح معه التاريخ.
وأضاف قتل البغدادي لن يصنع نهاية داعش، وكنت أود ألا نقتل بن لادن.
ولفتت المجلة إلى أن مايكل فلين عمل في العديد من المناصب الاستخباراتية وشغل منصب مدير وكالة استخبارات الدفاع، ومساعد مدير الاستخبارات الوطنية في إدارة أوباما من 2004 ـ 2007، وعمل في العراق وأفغانستان حيث قيادة القوات الخاصة الأمريكية، وتمكن من الوصول لأبو مصعب الزرقاوي في العراق ـ أحد أسلاف أبو بكر البغدادي زعيم تنظيم داعش.
وفيما يلى نص الحوار الذي أجرته المجلة معه:
شبيجل: نفذت داعش هجمات خارج حدودها في باريس وسيناء ولبنان.. هل تتجه داعش نحو العالمية؟
فلين: هناك العديد من التحذيرات والتقارير التي تتحدث عن التوجه الجديد، وهو ما يتحدث عنه فتية داعش أنفسهم، ولا أعتقد أن الناس أخذوا هذه التحذيرات بجدية، وعندما سمعت عن هجمات باريس تعجبت من إقدام هؤلاء الفتية على تنفيذ أفعالهم دون أن نولى هذا الأمر اهتماما كافيا.
يجب أن نكون أكثر إدراكا للتهديدات، ففي أوربا يوجد لهم بناء شاملا وآخرا داخل الدول ونفس الشيء داخل الولايات المتحدة، لكن شكل هذا البناء لم يتضح بعد.
شبيجل: هل تقصد وجود إمارة أو قيادة إقليمية لداعش في أوربا؟
فلين: بالضبط، ووفقا لما كتبه أسامة بن لادن أصبح لدينا فكرة عن تفاصيل البناء الغير مترابط والعناصر التي باتت تتواجد في مجموعات صغيرة يصعب كشفها في ذات الوقت التي تمتلك فيه سهولة الحركة وتنفيذ المهام، فهجمات باريس نفذها 8 أشخاص وفي الهجوم على فندق مالي كان المشاركين 10 أشخاص، والمرة القادمة ربما لا يتطلب تنفيذ هجمات إرهابية إلا شخصين أو ثلاثة.
شبيجل: هل يمكن تنفذ هذا النوع من الهجوم بدون تنسيق مع قيادة داعش في سوريا؟
فلين: مطلقا، لا يوجد روسوما توضيحية يمكن أن نستخدمها فيما يعرف بـ "line-and-block chart"ولا يوجد فتية في قمة الهرم كما يحدث في نظامنا، وهو صورة المرآة التي لا يمكن تخيل أننا نواجهها، بعدة طرق يتم استبعادها من تفكيرنا، فلا استطيع أن أتخيل فتى عمره 30 عاما يتلقى مهمة من مستوى أعلى بعد التدريب والنقاش ويؤمر بالتحرك والتصرف وفقا لفكر بعينه، ليبدأ في التقاط الهدف دون العودة إلى القيادة، ويقوم بتنظيم المهاجمين معه وتنفيذ مهمته.
شبيجل: أي نوع من القيادة يمثله أبو بكر البغدادي؟
فلين: من المهم جدا أن نفرق بين الطريقة التي قدم بها بن لادن وأيمن الظواهري أنفسهم وبين طريقة تقديم البغدادي لنفسه عندما أعلن نفسه خليفة، فالظواهري وبن لادن يظهرون في وضع الجلوس ممسكين الكلاشينكوف وخلفهم العلم ويقدمون أنفسهم كمغاوير، بينما قدم البغدادي نفسه عبر منبر في مسجد بالموصل وعرض نفسه أميرا للمؤمنيين، وكان تصرفا رمزيا بصورة كبيرة، لينحرف بمسار الحرب إلى تكتيكات محلية لصراع يعتمد الدين والحرب الواسعة ضمن مكوناته.
شبيجل: لو قٌتل البغدادي.. هل سيتغير الأمر؟
فلين: اعتدنا أن نقول " سنقتل القائد ولن يكون البديل بنفس قدرته"، وهو اعتقاد غير صحيح استنادا إلى الواقع الذي يقول أنه بعد مقتل أبو مصعب الزرقاوي أصبح خلفه البغدادي وهو أفضل منه في قيادة التنظيم الإرهابي وبكل تأكيد كان الزرقاوي أفضل من بن لادن نفسه.
شبيجل: تقصد أن مقتل البغدادي لن يؤدى إلى تغيير كبير؟
فلين: على الإطلاق، فمن الممكن أن يكون البغدادي قد مات.. لم نره مؤخرا، وكنت أفضل أن نأثر بن لادن والزرقاوي، لأننا بقتلهم نقدم لتنظيماتهم معروفا فهم يصبحون شهداء، كنت أود لو رأيت الزرقاوي يعيش بقية حياته في زنزانة لأنه يشبه الحيوان المفزع، ومازال منطقهم صعب الفهم في الغرب.
شبيجل: ما الاخلاف بين البغدادي والزرقاوي الذي قاد القاعدة في العراق من 2003 ـ 2006؟
فلين: الزرقاوي حاول احضار مقاتلين لكنه لم يتسطع أن يفعل مثل البغدادي، فبينما كان يأتيه 150 مقاتل أجنبي من عدة دول في الشهر، يبلغ عدد المقاتلين الأجانب الذين يجندهم البغدادي إلى 1500 مقاتل في ذات الفترة من أكثر من 100 دولة حول العالم باستخدام طريقة متطورة للتواصل واجتذاب المقاتلين فكريا في عصر المعرفة.
ومن ناحية أخرى كان الزرقاوي يقتل الفتية في قارعة الطريق وبصورة عشوائية، في حين كان البغدادي أكثر ذكاء وأكثر دقة في تحديد أهدافه، لكنه مازال شريرا جدا.
شبيجل: من يدر الجناح العسكري لداعش؟
فلين: أعتقد أن البغدادي أو من يقود داعش في الوقت الحالي يتدرب عمليا علي هذا الأمر، لكنها شبكة كبيرة وممتدة عبر مساحات كبير في سوريا والعراق، وأعتقد بوجود اتباع يديرون العمليات العسكرية، والدعم اللوجستي والتمويل، وهم يمثلون تركيبة من مصريين، سعوديين، شيشانيين، ومن داغستان وأمريكا وأوروبا، ونعرف أنهم قسموا الرقة إلى مناطق عالمية بسبب تنوع لغات المقيمين فيها.
وعلى سبيل المثال يبلغ عدد الأستراليين 200 شخص، وهناك قطاع لهم في الرقة، وهو ما يتطلب بناء عسكري وقيادي يستطيع التواصل معهم.
شبيجل: كيف يتم معاملة المتطوعين؟
فلين: إنهم يوثقون كل شيء، إنهم منظمون بصورة كبيرة في عملية التجنيد والمقابلات، يسألون عن خلفية الشخص، وحضوره الإعلامي واستخدامه للسلاح، إنهم تحولوا إلى قوة غير تقليدية بفضل بنائهم المتميز.
شبيجل: كيف يمكن للغرب أن يحارب هؤلاء؟
فلين: الحقيقة المحزنة هي وضع قوات على الأرض لمواجهتهم، لأننا لن ننجح أمام هذه العدو بالضربات الجوية فقط، لكن الحلول العسكرية لا تحل كل شيء.. يجب أن نستولى على مقاطعات داعش ثم نعيد الأمن والاستقرار تمهيدا لعودة اللاجئين وهو أمر لا يمكن إنجازه بسرعة.
وفي البداية يجب أن نسقط كل قادة داعش ونقضى عليهم، ونفكك شبكتهم، ونوقف مصادر تمويلهم ثم نبقى حتى تعود الأمور إلى مجاريها وهو أمر لا يمكن إنجازه في شهور سيأخذ أعواما، ففي البلقان التي بدأناها في التسعينيات استمر بقاءنا حتى تحقق الاستقرار ومازلنا هناك.
شبيجل: هل مهمتكم في البلقان تعد نموذجا لهذه الحرب؟
فلين: يمكن أن نتعلم بعض الدروس من حرب البلقان، فمن الناحية الاستراتيجية أرى أن يتم تفكيك مناطق الشرق الأوسط التي تواجه أزمة إلى قطاعات بالطريقة التي فعلناها في ذلك الوقت، وتقوم أمم بأعتماد مسؤوليتها عن تلك القطاعات، وبعبارة أخرى يجب تكوين بناء قيادي لتحالف دولي عسكري وسياسي تشارك فيه الأمم المتحدة.
ويمكن للولايات المتحدة أن تأخذ قطاعا من الشرق الأوسط وروسيا قطاعا آخر في حين يكون قطاعا ثالثا من نصيب أوربا، وعلى العرب أن يكونوا شركاء في كل القطاعات أثناء العمليات العسكرية، وعلى سبيل المثال سيكون على روسيا الضغط على إيران للحد من دعمها لحرب الوكالة التي تجري في المنطقة.
شبيجل: هل سيتعاون الغرب بصورة كلية مع روسيا؟
فلين: علينا أن نعمل مع روسيا سواء أحببنا ذلك أم لا، فروسيا أخذت قرارها بالتواجد في سوريا والتعامل عسكريا، وهم بالفعل هناك وتتغير الأمور بصورة مطردة، ولذلك لا يمكن القول أن روسيا سيئة وأنه يجب عليهم العودة إلى منازلهم، لأن ذلك لن يحدث.
لنكن واقعيين، انظر إلى ما حدث في الأيام القليلة الماضية، فالرئيس الفرنسي يطلب مساعدة عسكرية من أمريكا بعد هجمات باريس، وهو أمر يثير استغرابي، كأمريكي، فنحن يجب أن نكون هناك أولا ونعرض الدعم، والآن هو يطير إلى موسكو ليطلب الدعم.
شبيجل: هل التدخل الغربي يمكن اعتباره محاولة جديدة لغزو المنطقة؟
فلين: لذلك نريد العرب شركاء في تلك المهمة التي تجرى في منطقتهم ويكونون في المقدمة، لأنهم أصبحوا غير قادرين على التعامل معها أو حتى قيادة المهمة، والولايات المتحدة وحدها هي من يستطيع أن يفعل ذلك،ونحن لا نريد أن نغزو أو حتى نمتلك سوريا، رسالتنا أننا نريد المساعدة وسنغادر فور انتهاء المشكلة، ويجب على العرب أن يكونوا في جانبنا، وأن يوقفوا دعمهم لداعش.
شبيجل: لماذا أطلقتم البغدادي عام 2004 وقد كان سجينا لديكم؟
فلين: كنا أغبياء إلى أبعد الحدود، لم نكن نفهم من هو هذا الرجل حينها، فبعد الحادي عشر من سبتمبر ذهبنا إلى الأماكن التي جاء منها منفذوا الهجمات لقتلهم، وبدلا من السؤال عن سبب هجومهم على أمريكا سألنا من أين جاؤوا وذهبنا إليهم وسرنا في الطريق الخاطئ استراتيجيا.
شبيجل: أمريكا غزت العراق رغم أن صدام لم يشارك في هجمات سبتمبر.. لماذا؟
فلين: ذهبنا إلى أفغانستان في البداية، حيث مقر القاعدة، ثم دخلنا العراق، وبدلا من أن نسأل عن أسباب الظاهرة بدأن نتتبع مواقعها، وهو درس كبير يجب أن نتعلمه حتى لا نكرره ثانية.
شبيجل: داعش لم تكن لتظهر لولا سقوط بغداد.. هل تشعر بالندم؟
فلين: نعم، تماما.
شبيجل: وماذا عن حرب العراق؟
فلين: كانت خطأ كبيرا، فبقدر وحشية نظام صدام حسين، كان القضاء على نظامه خطأ فادحا، ونفس الشيء ينطبق على نظام معمر القذافي في ليبيا التي تحولت في الوقت الحالي إلى دولة فاشلة، والدرس التاريخي الذي تعلمناه هو أن غزو العراق كان خطأ استراتيجيا لن يتسامح معه التاريخ ولا يجب أن يفعل.
المصدر:مجلة "دير شبيجل" الألمانية