حازم ابو اسماعيل والمستحيلات الثلاثة "ثروت الخرباوى"
بقلم: ثروت الخرباوى
ثروت الخرباوى |
كان هذا منذ نيف وعشرين عاما على شاطئ «رأس سدر»، وفى نهاية آخر أيام معسكر إخوانى وفى جلسة ليلية اجتمع أربعة يتسامرون، حازم صلاح أبوإسماعيل بابتسامته المشهورة، ومحمد محسوب الوزير فى عهد مرسى، والصديق عاطف عواد المحامى والذى أصبح فى مستقبل الأيام عضوا بالهيئة العليا لحزب الوسط ومجلس الشورى المنحل، والرابع ضمير مستتر تقديره أنا.
كان الجو حارا إلا من نسمة مشجعة غشيتنا فسرت فى أوصالنا وشجعتنا على السمر، وفى السمر تكون المشاعر مرهفة، والشعر حليفا للسُّمَّار، قرأ أحدنا أبيات شعر جرى بها اللسان العربى فصارت قولا مأثورا ومثلا مشهورا هو: فعلمتُ أن المســــــتحيل ثلاثة الغــــول والعنقاء والخِل الوفى.
وعن الغول والعنقاء والخِل الوفى دارت جلسة سمر ما زلت أتذكر حديثها وكأنه كان بالأمس، واستثمر حازم السمر كعادته، فبادر قائلا: إن التيار الإسلامى يجب أن يكون كالخل الوفى والعنقاء فى آن واحد، الخل الوفى هى صفة الداعية، والدعوة ينبغى أن يحملها الخل من خليله إلى خليله، ألم يكن سيدنا إبراهيم خليل الله، الداعية يجب أن يحب من يدعوهم ويخلص لهم ولا يعاديهم، إذ كيف ندعو الناس ونعاديهم، فالدعوة ضد العَدْوة، قال أحدنا: وما بال العنقاء؟ رد آخر: العنقاء طائر قوى جميل سريع الطيران لم يره أحد من فرط سرعته فلا تقع عليه عين إلا طار قبل أن تدركه، سمع الناس عنه ورأوا أثره وجهلوا شكله.
فقال حازم: لذلك فإن التيار الإسلامى يجب أن يكون كالعنقاء، يجب أن يكون طائرا جميلا نرى أثره ولا نراه، نرى أثره فى أخلاق الناس ودينهم وحسن فهمهم للدين، أكمل عاطف عواد: يقتفى الناس أثره فيرتفعون بالدين ولا يرفعون الدين، تدخل محمد محسوب قائلا: هذا هو شأن الداعية الذى يدعو للفكرة، يحب أن يرى الدين فى أخلاق الناس وطبائعهم وسلوكهم، ولا يهتم بأمر الدين الذى يظهر على ألسنتهم، وبذلك تكتمل ثنائية الغول والعنقاء، فما بال الغول؟ قال صاحب الضمير المستتر: إذا لم يكن الداعية خلا وفيا ولا عنقاءً سحريا كان غولا، ضحكنا وانتهت جلسة السمر.
مرت الأيام ثم السنون وتغيرت الأحوال والأشخاص، وغمرتنا الدنيا بسطوتها وحيلها، ورأى «محمد محسوب» أن يأخذ طريقا مختلفا عن طريق الإخوان فانخرط فى طريقة صوفية أهدانى ذات يوم بعض أذكارها وأورادها، ثم شاء الله له أن ينخرط أيضا فى السلك الجامعى، ولأنه كان يخشى على مستقبله من صلته القديمة بالإخوان فزاد من صلته بالصوفية، ثم قام بتغيير اسمه فى مجتمعه الجامعى لاسم آخر هو الدكتور «محمد بدران» وبدران هو الجد الرابع لمحمد أما «محسوب» فهو والده، رحمة الله عليه، وبهذا الاسم حصل على الدكتوراة وظل بعيدا عن الإخوان إلى أن أصبح قبل ثورة يناير عميدا لكلية حقوق المنوفية، وبعد الثورة تغيرت الأحوال فعاد محمد إلى اسمه القديم محمد بن عمى «محسوب»، عليه رحمة الله، ثم أصبح عضوا بارزا فى الهيئة العليا لحزب الوسط، ثم وزيرا فى وزارة هشام قنديل، ثم محاربا صنديدا لثورة الجماهير الرائعة فى الثلاثين من يونيو والتى أطاحت بجماعة الإخوان من حكم مصر! فاعتبرها لحاجة فى نفسه انقلابا!
ثم أصبح من بعدها مهاجرا ترك بلاده وبلاد آبائه إلى إمارة صغيرة أصبح ابنا لها بالتبنى، والله أعلم بمصائر العباد.
أما حازم أبوإسماعيل فقد أخذ يترقى فى ميدان الخطابة، وذات يوم دفعه الإخوان للترشح فى انتخابات مجلس الشعب عن دائرة الدقى، وأشهد أنه حاول أن يجتهد فى المحاماة فكان يحضر مستمعا خلف كبار المحامين الجنائيين فى مصر لكى يتعلم منهم كيفية المرافعة الجنائية، ثم أصبح بعد سنوات معدودات عضوا بمجلس نقابة المحامين، إلا أنه لم يمارس عضويته هذه لأن مهامه كخطيب فى المساجد منعته من الذهاب إلى النقابة ليقوم بما كلفته به الجمعية العمومية للمحامين،
فقد كان ما كلفته به قياداته فى الجماعة أهم لديه من أى شىء آخر، وإذ قامت الثورة إذا بحازم يرتدى ثياب دون كيشوت الهزلية ليظهر بصورة القائد المغوار الذى يخوض بجنوده غمار المعارك مع المحكمة الدستورية، ثم مع مدينة الإنتاج الإعلامى، ومن بعدها ارتدى بزة نابليون العسكرية فقاد جنوده لاقتحام قلعة حصينة من قلاع العدو هى مقر حزب الوفد! ومن قبلها أخذته النداهة إلى قلعتها فعاد إلينا كالغول، لا يعرف دعوة ولا يفكر فى أن يترك بصمة الأخلاق الحسنة فى سلوك من يدعوهم ويخطب فيهم، ولم يرد على خاطره أن يكون خلا وفيا لأهل مصر، وحين رشح نفسه لانتخابات الرئاسة اعتبرها غنيمة، فجمع تبرعات بالملايين، ولكنه سقط فى الاختبار الأول بسبب جنسية والدته الأمريكية، فسقط القناع الذى كان يخفى وجهه الحقيقى، فرأينا حازم أبوإسماعيل التكفيرى ضيق الأفق عصبى المزاج دموى المشاعر المزور الكذاب، ولكى ينتقم لنفسه وضع على رأسه إكليل الغار الخاص بنيرون ليحرق مصر كلها، واستثمره خيرت الشاطر واستثمر فئته التى أطلقت على نفسها «حازمون» أولئك الذين اغتروا بمظهر أبوإسماعيل وخطابه الناعم!
حتى قامت ثورة يونيو العظيمة وأحيل بعدها للمحاكمة بتهمة تزوير إقرار عدم حصول والدته على جنسية أجنبية، وصدر الحكم بسجنه سبع سنوات عجاف، فما كان له من فئة تنصره من دون القضاء وما كان منتصرا، ألا لعنة الله على شيطان السياسة وشبق الحكم والسلطة كم أهلكت من قرون.
مجلة أخبار مصر ENM
مجلة أخبار مصر ENM