105 دولار أمريكي ... تلك كانت بداية نجاح ساندرز"مؤسس دجاج كنتاكي"، ذلك الرجل الذي أتم حينها الخمس وستين من عمره أي في عمر التقاعد تقريبًا، لن يصدق أي فرد أن هذا المبلغ هو بداية سلسلة أكبر مطاعم فى العالم، قطع من العام 1952 ( السنة التي بدأ فيها أول مطعم ) وحتى العام 1980 (عام وفاته ) بنشاط وحيوية أكثر من 250000 ميل في السنة مسافرًا من بلد إلى بلد ليتابع بنفسه إمبراطورية الدجاج التي تذوقها ملايين البشر.
قصة كفاح بدأت بفكرة واستمرت بالعزيمة والإصرار
ولد الكولونيل ساندرز في 9 سبتمبرعام 1890، توفي والده وهو في السادسة من عمره، فاضطرت والدته للعمل، وتحمل هو المسؤولية مبكرًا، حيث كان عليه الاعتناء بأخيه البالغ من العمر 3 سنوات وأخته الطفلة. هذه الظروف أجبرته على تحضير طعام أخوته وما أن بلغ السابعة من عمره حتى أصبح طباخًا جيدًا.
عمل في مزرعة في العاشرة من عمره مقابل دولارين فقط في الشهر، تزوجت أمه مرة أخرى عندما كان في الثانية عشرة، فترك المنزل ليعمل في مزرعة في جرينوود في ولاية إنديانا، ثم تولى أعمالاً عدة في السنوات اللاحقة وخدم في الجيش في كوبا لمدة 6 أشهر.
عمل ساندرز "مؤسس دجاج كنتاكي" في فرقة الإطفاء للسكك الحديدية ، ودرس خلال هذا العمل القانون بالمراسلة، ثم تنقل ما بين العمل في التأمين وكسائق مركب في نهر أوهايو وفي بيع الإطارات والمسئول عن محطة لخدمات السيارات. حتى وهو في أتعس أيام حياته، عندما كان يقبض 16 سنتـًا في الساعة يفرغ سيارات الفحم، لم يشكُ الكولونيل ساندرز.
حاول تطوير نفسه بشكل دائم، الأمر الذي دفعه للحصول على دكتوراه في القانون بالمراسلة من جامعة ساذرن، وهو الذي ترك المدرسة منذ وفاة والده، وعمره ست سنوات، ساعدته تلك الشهادة على ممارسة المحاماة في محاكم ليتل روك في أركنساس. لكنه لم يكسب مالاً كثيرًا. طور الكولونيل ساندرز مهاراته في فن الطبخ، وهو الفن الذي أحبه من كل قلبه منذ أن كان طفلاً. وخلال السنوات التي مضت لم يفكر أبداً في أن يجعل هذه الهواية مهنة يكسب منها مالاً إلى أن راودته الفكرة جديًا عام 1929 وكان عمره آنذاك 39 عاماً، عندما افتتح محطة لخدمات السيارات في مدينة كوربن في ولاية كنتاكي. وقد جاءته هذه الفكرة عندما قال أحد الباعة المتجولين أنه لا يوجد مطعم جيد لتناول الطعام في تلك المدينة، دارت الفكرة في رأس ساندرز، ولاحظ أن هذه المشكلة تشكل فرصة حقيقية. ولم يكن أحد يعلم، وأولهم الكولونيل، أن تعليق البائع المتجول سيكون الشرارة والبذرة الرئيسية لولادة سلسلة مطاعم أحدثت ثورة في صناعة الوجبات السريعة.
مؤسس كنتاكى |
يقول ساندرز "مؤسس دجاج كنتاكى": لقد فكرت مليًا، وبالفعل، فإن أفضل ما فعلته وقمت به من دون انقطاع طوال السنوات الماضية هو الطبخ، وكلي ثقة بأنني لو بدأت ببيع ما أطبخ فإن طعامي لن يكون بالتأكيد أسوأ مما يصنعه أصحاب المطاعم الموجودون في المدينة. بناءً على تلك الفكرة حول ساندرز غرفة صغيرة، كانت عبارة عن مخزن خلف محطة الخدمة، إلى مطعم صغير يبيع من خلاله الوجبات إلى المارة.
كان اختصاص مطعمه الصغير الدجاج المقلي والخضروات الطازجة وبعض البسكويت واكتسب المطعم الصغير شهرة لا بأس بها في المنطقة، و ازداد الطلب عليه، فما كان منه إلا أن أغلق محطة الوقود وحولها إلى مطعم اسماه” كافي ساندرز “.
في أواخر العام 1930 توسع ساندرز وأصبحت سعة مطعمه الصغير 142 شخصًا، لكنه احتفظ بالطابع المنزلي لطعامه.
وبسبب حبه الدائم لتطوير نفسه والتعلم المستمر، انخرط في ” فن إدارة المطاعم والفنادق لمدة 8 أسابيع في جامعة كورنيل حتى يصبح مديرًا أفضل.
كان كولونيل ساندرز مغرمًا بالدجاج المقلي، ولكنه كان يعتبر قلي الدجاج في المقلى بالطريقة الكلاسيكية أمرًا بطيئًا، وقلي الدجاج بالزيت لايعطي الطعم الذي يريد الوصول إليه. لذلك وفي عام 1939، وكان عمر ساندرز 49 عامًا، اكتشف الطريقة المُثلى لقلي الدجاج، وما ساعده في اختراعه الجديد اكتشاف مهم في ذلك الوقت هو ” أوانى الضغط ”، في أقل من 10 دقائق تعطي طريقة الطهي بالبخار دجاجًا لذيذًا وناضجًا من دون أن يفقد طعمه أو رائحته ومن دون زيت. ولكن على الرغم من هذا الاكتشاف كان ساندرز دائم الابتكار، كان يبحث عن الطريقة الأفضل للدجاج المقلي. وفي كل موسم كان يجرب قلي الدجاج بطريقة مختلفة إلى أن وجد خلطة من الأعشاب والتوابل اعتبرها الأفضل.
تحسن العمل بشكل ملحوظ. وفي عام 1940، عندما أصبح عمر ساندرز 50 عامًا قال لبعض أصدقائه إنه لم يحقق ما كان يصبو إليه. واعتبر أن العمر يمضي بسرعة كبيرة. يقول عنه صديقه "جون براون" إنه لم يكن إنسانًا حالمًا، إنما كان إنسانًا يسعى بكل جوارحه أن يكون إنسانًا معروفًا. وعلى الرغم من نجاحه على الصعيد المحلي فإنه لم يكن مرتاحًا، وكان يريد أن يكون أكبر بكثير مما هو عليه. لذلك كان يعمل بكد وجهد قلما توجد في شخص في هذا العمر.
مؤسس كنتاكى |
مُنح ساندرز "مؤسس دجاج كنتاكى" عام 1949 رتبة كولونيل لإنجازاته لولاية كنتاكي من قبل حاكم الولاية. غير هذا اللقب حياته فبدل أن يقال عنه رجل الأعمال هارلاند ساندرز، أصبح يقال عنه كولونيل هارلاند ساندرز، وكان لون شعره أبيض ويحب أن يلبس كالكولونيل بالضبط. ويعتبر أن هذه الشخصية نفعته في عمله كثيرًا.
عُرِضَ على الكولونيل مبلغ 164000 دولار مقابل أن يبيع مطعمه، وكان ذلك عام 1935. وعلى الرغم من أن هذا الرقم كان مغريًا إلا أنه رفضه، ولكن بعد سنوات ولسوء حظه تغيرت خرائط اتجاه الطرقات ولم يعد مكان المطعم جيدًا، مما اضطره إلى بيع مطعمه بالمزاد العلني مقابل75000 دولار، ولم يكن يكفي هذا المبلغ ليسدد ديونه.
بعد هذه المصيبة وخسارته كل شيء، قرر الكورنيل أن يتقاعد ويصرف من مدخرات الضمان الاجتماعي، كان أول شيك قدرة 105 دولارات، عرف أن هذا المبلغ لن يفعل شيئًا له ولزوجته، ومره ثانية كان محطمًا، ولكنه لم يستسلم. عن ذلك يقول جون براون "أحلى ما في الكولونيل أنه لا يفكر أبدًا في الانسحاب" وعندما حصل على الشيك جلس وقال لنفسه: هون عليك يا هارلاند، هناك شيء واحد تستطيع أن تفعله أفضل من غيرك في هذه الدنيا، وهو قلي الدجاج، وهذا ما ستفعله بقية حياتك. مضت سنة على هذا الكلام، فباع الكولونيل طريقة تحضير الدجاج إلى مطعم في ولاية أوتا، ولاقت استحسانًا مما شجعه على التعاقد مع مطاعم أخرى، كان يقبض 4 سنتات عن كل دجاجة تباع.
على الرغم من ثقته الكاملة بنفسه وإيمانه بما يفعل، فإن الشك تسرب إلى نفسه في الأشهر الأولى لبيعه هذه الخلطة، ولكنه نجح في التغلب على شكوكه وكان يبحث ويتوقف عند كل مطعم يراه. كان ينام في سيارته ليوفر ثمن الفندق، كان يحلق في حمامات محطات الوقود المنتشرة على الطرقات، كان ينظر إلى المرآة ويقول لنفسه: “يجب أن تنجح يا هارلاند “.
خلال سنتين من تجواله استطاع الكولونيل أن يقنع 5 مطاعم فقط. ويفسر ذلك قائلاً: ”عندما تقول لصاحب أي مطعم إن دجاجه ليس بالمستوى المطلوب فهو يحس بالإهانة ويرفض الفكرة قبل عرضها وتجريبها، ولكن الخلطة اللذيذة كانت فعلاً تجعل الدجاج أطيب بنظره وكان يقول الحقيقة “.
بلغ من عمر الكولونيل 70عاماً، وبلغ عدد مطاعم " كنتاكي فرايد تشيكن " 200 مطعم في الولايات المتحدة الأميركية وكندا. وتوقف بعد هذا العدد عن التجوال والسفر لأن الاستفسارات كانت تأتي إليه. وكان هو المحاسب، وهو الذي يحضر بمساعدة زوجته كل شيء، وكانت زوجته تخلط الأعشاب والتوابل وتغلفها وتبيعها بالبريد.
هذه الخلطة، التي مازالت سرية حتى الآن، ولا يعرفها سوى عدد من لأشخاص لايتعدى عدد أصابع اليد، وكل واحد منهم على اتفاقية تجبره الحفاظ على السرية تحت طائلة المسؤولية، مزيج من 11 صنفاً من الأعشاب والتوابل. ويقول عن ذلك الكولونيل: " لقد كانت أيامًا صعبة، كنت أخلط الأعشاب بالتوابل كما يخلط الأسمنت في المبنى. كانت زوجتي كلوديا هي ساعدي الأيمن، هي التي تصنع العلب، وهي مشرفة المخزن، وهي التي توصل الطلبات، وكان الجراج هو المخزن.
وصل عدد من المطاعم عام 1963 إلى 600 محل وكان أكبر من أن يتحمله الكولونيل مع زوجته و 167 عاملاً كانوا يعملون في مبنى مجاور خلف منزله. لذا قرر أن يبيع امتياز مطاعم كنتاكي إلى جون براون جونيور، وإلى المليونير جاك ماسي مقابل مليون دولار ( تم رفعه بعدها إلى 75000 دولار ) مقابل الاستشارات والدعاية ومقعد له في مجلس إدارة الشركة. وارتفع عدد أصحاب الامتياز عام 1971 ( 7 سنوات بعد بيعه الحقوق ) إلى 3500 قبل أن تشتريها شركة هيوبلن.
توفي الكولونيل ساندرز عام 1980، ودفن في لويزفيل. وفي العام 1982 أصبحت مطاعم كنتاكي جزءًا من شركة رينولدز. وفي عام 1986 أصبحت مطاعم كنتاكي جزءًا من شركة بيبسي كولا مقابل 840 مليون دولار. تم افتتاح أول مطعم لكنتاكي في الصين عام 1987، وغيرت الشركة الشعار وحولته من كنتاكي فرايد تشيكن إلى شعار KFC، حتى لا تعطي الشركة انطباعًا بأنها تبيع الدجاج المقلي فقط، بعد دخول أصناف أخرى كثيرة غير مقلية على قائمة مطاعم كنتاكي، وفي عام 1995 بلغ عدد المطاعم 9000 مطعم ، وكان المطعم الذي يحمل هذا الرقم في شنجهاي.
لقد كان الكولونيل هارلاند ساندرز مثالاً يحتذي في العزيمة والتصميم. يقف على رجليه بعد كل هزيمة ولا يلوم الظروف والقدر. يبحث دائمًا عن منافذ لتحقيق حلمه على الرغم من سنه ومن مرضه المؤلم. لم يكن يعرف معنى الاستسلام إلى أن جعل للدجاج نكهة خاصة ونظرة خاصة كانت موجودة في عقله ومخيلته، واستطاع أن ينفع العالم بها في مختلف أرجاء الكرة الأرضية.
حكاية نجاح رجل قهر الظروف من حوله، كان واثقـًا من نفسه ومن فكرته، شجاعًا مقدامًا وقدوة ومثالاً يحتذى لما يمكن تحقيقه بفكرة واحدة تسندها الإرادة والثقة والتصميم والمضي قدمًا إلى أن تثمر وتتحقق.